خصائص التفكير المنهجي في الإسلام
مدخل تهميدي:
لقد وصل المسلمون القدامى إلى قمة الرقي الفكري، نتيجة اتباعهم المنهج
السليم في تفكيرهم، أما الآن فإن المسلمين يعرفون قصورا في التفكير لإيجاد
الحلول المناسبة لما يستجد من وقائع، الشيء الذي يجعلهم يعتمدون على ما
سطره الغرب من مناهج لا تناسب واقعهم، مما يفرض علينا طرح مجموعة من
الأسئلة، من قبيل:
- ما حقيقة التفكير المنهجي عند المسلمين؟
- وما هي أسس ومميزات هذا المنهج الإسلامي في التفكير؟
- وما هي مصادره؟
النصوص المؤطرة للدرس:
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:
﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾.
[سورة الحج، الآية: 46]
«وَالْعِلْمُ إِمَّا نَقْلٌ مُصَدَّقٌ عَنْ مَعْصُومٍ، وَإِمَّا قَوْلٌ عَلَيْهِ دَلِيلٌ مَعْلُومٌ …».
[انظر الكتاب المدرسي، ص:58]
دراسة النصوص وقراءتها:
I – عرض النصوص وقراءتها:
1 – الوقوف على قاعدة من قواعد التجويد (التفخيم):
التفخيم: هو سَمَنٌ يطرأ على
الحرف فيمتلئ الفم بصَدَاه، وتفخم الراء في عدة مواضع، منها: إذا كانت
مفتوحة أو مضمومة ولم يسبقها كسر أصلي ولا ياء ساكنة قبلها كسر، مثل:
يَرَوْاْ، يَتَكَبَّرُونَ.
II – توثيق النصوص والتعريف بها:
1 – التعريف بسورة الحج:
سورة الحج: مدنية ما عدا الآيات
52، و53، و54، و55 فقد نزلت بين مكة والمدينة، عدد آياتها 78 آية، ترتيبها
22 في المصحف الشريف، نزلت بعد سورة النور، نزلت سورة الحج تخليدا لدعوة
الخليل إبراهيم عليه السلام حين انتهى من بناء البيت العتيق، ونادى الناس
لحج بيت الله الحرام، وهي تتناول جوانب التشريع شأنها شأن سائر السور
المدنية التي تعني بأمور التشريع مع أنها سورة مدنية إلا أنها يغلب عليها
جو السور المكية، فموضوع الإيمان والتوحيد والإنذار والتخويف والبعث
والجزاء ومشاهد القيامة وأهوالها هو البارز في السور الكريمة، حتى ليكاد
يخيل للقارئ أنها من السور المكية، هذا إلي جانب الموضوعات التشريعية من
الإذن بالقتال وأحكام الحج والهدي والأمر بالجهاد في سبيل الله، وغير ذلك
من المواضيع التي هي من خصائص السور المدنية، حتى لقد عدها بعض العلماء من
السور المشتركة بين المدني والمكي.
III – فهم النصوص:
1 – مدلولات الألفاظ والعبارات:
- تعمى القلوب: تطمس عن معرفة الحق.
- معصوم: محفوظ من الوقوع في الخطأ بلطف الله.
- الدليل: ما يتوصل يه إلى معرفة الشيء.
2 – المضامين الأساسية للنصوص:
- وجوب استعمال وسائل المعرفة قصد التفكر والاعتبار من أخبار الأمم الماضية.
- حصر مصادر المعرفة الإسلامية في النقل والعقل الذي لا يخرج عن الشرع.
3 – المضمون الجامع:
- التفكير المنهجي في الإسلام معتمده النقل والعقل، واستخدام وسائل المعرفة المتنوعة.
تحليل محاور الدرس ومناقشتها:
I – أسس ودعامات منهج التفكير في الإسلام:
1 – مفهوم المنهج:
المنهج: لغة: هو الطريق المستقيم
الواضح الذي يوصل إلى الغاية بسهولة ويسر، واصطلاحا: هو مجموع القواعد
العامة، والخطوات والقوانين المنظمة، التي تحكم عمليات العقل خلال البحث
والنظر في مجال معين.
2 – أساس ودعامات منهجية التفكير الإسلامي:
- وحدانية الخالق: فالمسلم ينطلق في عملية التفكير من قاعدة رئيسية، هي أن الله عز وجل واحد لا شريك له، هو الخالق لكل شيء، وهو المتحكم في كل شيء، وهو الذي بيده مصير كل شيء، وهذه الحقيقة الكبرى هي أولى منطلقات تشكيل الفكر الإسلامي، وبداية تميزه عن باقي المنظومات الفكرية الأخرى، وعليه فحينما تنفصم العلاقة بين العقيدة الإلهية والمعرفة الإنسانية فلن يكون العقل عقلا مسلما، ولن تكون المعرفة كذلك إسلامية.
- استخلاف الإنسان في الكون: وهي الأس الثاني من أسس المنهجية التفكيرية في الإسلام، والاستخلاف في الكون مسؤولية جسيمة وعظيمة، القدرة على تحملها تكتسب من الوعي والتعلم، وحين يستشعر الإنسان عظمتها فلن يفكر إلا في الأسباب التي تعينه على تحقيق هذا الاستخلاف بما يرضي الله عز وجل.
- الحرية الإنسانية: عليها تتأسس منهجية التفكير الإسلامي، وهذه الحرية تنطوي على ثلاثة أبعاد لا يستقيم فهم منهجية التفكير الإسلامي بدونها:
- بعد حرية العقيدة: لا إكراه في الدين، ولا ازدراء للأديان، ولا احتقار لأتباعها، قال تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾، وقال: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾، فالحرية في الاختيار حق وموقف ومسؤولية.
- بعد حرية الفكر: الكل حر في تفكيره وفي طريقة تفكيره دون تضييق أو تعنيف أو تحجير.
- بعد حرية الأداء الاجتماعي: وعلى هذا الأساس يجب أن يتم وفق منهج يتكامل فيه أداء الفرد ويتفاعل مع أداء الجماعة كما ونوعا، لتحقيق غاياتهم في الحياة وإعمار الأرض وإصلاحها.
- السببية وفاعلية الإنسان: فالنظر في المسببات طريق إسلامي لمعرفة السبب الموجد لها، ووظيفة المسلم اكتشاف الأسباب والسنن الجارية وامتلاكها، لتغيير الواقع وإقامة المنشود.
- وحدة الأمة والدين: وهذا الأساس أو الرابط ألغى كل الفوارق الطبقية والعرقية، وحرر العقول من كل الأساطير والفلسفات الحائرة، والعادات والتقاليد المحكمة، وبذلك ينفتح العقل على الكون وعلى الفكر الإنساني ككل بنظر فاحص وناقذ، حتى ينتج فكرا منيرا وعلما نافعا وعملا صالحا متقبلا.
II – مصادر التفكير المنهجي في الإسلام:
- الحس (المصدر الأول للمعرفة البشرية): هو المصدر الأول للمعرفة البشرية والتفكير الإنساني، ومنه يتدرج الإنسان إلى المعرفة العقلية التي توصل إلى وجود الخالق سبحانه ثم الإيمان به، ولذلك أمد الله الإنسان بحواس تواصلية (الحواس الخمسة) تساعده على تحقيق هذا الأمر.
- الوحي (مصدر المعرفة والتوجيه): المتمثل في القرآن والسنة، ويعتبر أيضا مصدرا من مصادر منهجية التفكير الإسلامي.
- العقل (الاستقراء والقياس والتجريب): فالعقل مصدر علم الشهادة، والوحي مصدر علم الكليات وعالم الغيب، وهما يتكاملان فيما بينهما دون تناقض أو اضطراب، فالعقل له وظيفته ودوره، والوحي كذلك، فهو يرشد ويوجه العقل حتى لا يتيه ويضيع فيما ليس من اختصاصه ومجاله.
- الكون (آيات الأنفس والآفاق): المنهج الإسلامي يوجه الفكر للنظر والتأمل في الأنفس والآفاق دراسة وفهما وتعليما وتعلما حتى يفيد ويستفيد وفق شرع الله سبحانه وتعالى.
III – خصائص منهج التفكير الإسلامي:
يتسم منهج التفكير الإسلامي بمجموعة من الخصائص، أهمها:
- التعدد والتنوع والشمول: تقتضيه شمولية الإسلام للدنيا والآخرة، للوحي والعقل، فالإسلام يحث العقل المسلم على بذل جهده للوصول إلى اليقين، ويعيب على أهل الظن، قال تعالى: ﴿وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾.
- وحدة المعرفة: المنهجية الإسلامية لا تنظر إلى المعرفة كأجزاء متفرقة، بل تراها وحدة متجانسة يجمعها نظام متسق يتواصل فيه الجميع ويخدم غاية التعارف والتواصل في الكون ومع الكون.
- تكامل عالمي الغيب والشهادة: فالعقل والنقل في منهج التفكير الإسلامي متجاوران، وكل واحد يخوض في مجاله، فالعقل مجاله العلم الظاهر، والوحي مجاله العلم الباطن، والغيب الذي هو من خصائصه سبحانه.
- العقلانية: سمة تتميز بها منهجية التفكير الإسلامي، وتعني فيما تعنيه أن العقل مطلوب منه التفكر في الخلق، وتعلم كل ما يؤدي إلى معرفة الله، وإلى فهم رسالاته، وفهم طريقة التعامل معها، وأيضا مطلوب منه فهم العالم والواقع وعدم الخوض فيما لا يسعه إدراكه من الغيبيات.
- الوسطية والاعتدال: وهذه أهم الخصائص التي تتميز بها منهجية التفكير الإسلامي، وهي تعني الحق بين باطلين، والتزام الاعتدال بين طرفين، لا إفراط ولا تفريط، ولا ضرر ولا ضرار، روح وجسد، دين ودولة، دنيا وآخرة، شكل ومضمون، فرد ومجموع، فكر وواقع، مقاصد ووسائل.
- التجديد: والذي يعتبر السبيل لاستمرار الدين وامتداد تأثيره، ويكون بتجديد للأصول بإزالة ما علق بها من شوائب وآثار سلبية، وفي الفروع بالاجتهاد وامتلاك الوسائل المساهمة في امتداد تأثير الدين وضمان بقائه صالحا لكل زمان ومكان.
- الانفتاح والهيمنة: ومعناها الانفتاح على التجارب الفكرية والإنسانية الأخرى (غير إسلامية) والاستفادة منها، واستبعاد كل ما فيه ضرر، والهيمنة عليها عن طريق تطويرها وتأطيرها بتعاليم الدين الإسلامي.
- احتمالية المعرفة الطبيعية: المعرفة الطبيعية في التفكير المنهجي الإسلامي نسبية لا مطلقة، ولذلك كانت التجربة أساسا مهما في دراسة العلوم الطبيعية والكيميائية، ولكنها لا تضمن اليقين المطلق.
- الاستناد إلى القيم والمعايير الأخلاقية: كل ما هو أخلاقي ويجلب المصلحة للناس ويدفع عنهم المفسدة مطلوب التفكير فيه، لذلك نجد أن الشرع الحكيم اشترط الاستقامة والتزام المسؤولية لسلامة العقل ويقظته ليتوجه إلى جلب النفع ودفع الضرر لتحقيق مصالح الناس في دينهم ودنياهم.