سقوط الإمبراطورية العثمانية وتوغل الاستعمار بالمشرق العربي
تمهيد إشكالي:
فقدت الدولة العثمانية منذ القرن 18م المقومات التي بنيت على أساسها
إمبراطوريتها الواسعة، ولم تفلح رغم سياسة الإصلاحات التي نهجتها خلال
القرن 19م في إيقاف التغلغل الاستعماري الأوربي والحركات الانفصالية
المحلية.
- فما هي أسباب انهيار الإمبراطورية العثمانية؟
- وما هي نتائج انهيارها على وضعية المشرق العربي؟
I – أسباب انهيار الإمبراطورية العثمانية:
1 – الأسباب الداخلية المؤدية إلى سقوط الإمبراطورية العثمانية:
تجلت في: تدهور الأوضاع الاقتصادية والفساد الإداري وانعدام الأمن
واستغلال الأتراك للعرب، مما أدى إلى قيام ثورات داخلية تزعمها القوميون
العرب الذين عقدوا المؤتمر العربي في 1913م، وطالبوا بالاستقلال عن تركيا،
ولم تستطع الإمبراطورية العثمانية الدفاع عن ليبيا ضد التوغل الإيطالي،
فمنحتها الاستقلال سنة 1912م لتسقط تحت السيطرة الإيطالية.
2 – الأسباب الخارجية المؤدية إلى سقوط الإمبراطورية العثمانية:
- الآليات العسكرية: تمثلت في التحالف الأوربي لتقويض الإمبراطورية سواء من حيث المواجهة العسكرية (الهزائم المتتالية)، أو من حيث إجبارها على توقيع معاهدات صلح تنص على اقتطاعات ترابية.
- الآليات الاقتصادية: أحدثت الدول الأوربية صندوق الدين العثماني بهدف إثقال كاهل الدولة بالديون، ناهيك عن إبرام معاهدات تجارية غير متكافئة بهدف إغراق الأسواق العثمانية.
- الآليات السياسية: تمثلت في استمالة الدول الأوربية للحركات المعارضة للنظام العثماني إلى جانبهم، علاوة على تشجيعهم للحمايات القنصلية وتوصلهم لاتفاقيات ثنائية لاقتسام ممتلكات الدولة.
- الآليات الدينية والثقافية: أرسل الأوربيون حملات تبشيرية بدعوى حماية المسيحيين وأسسوا عدة مدارس ومستشفيات وجمعيات خيرية.
يضاف إلى ذلك تغير موازين القوى لصالح الغرب في الجميع المستويات، مما
ساعد على ضرب السيادة العثمانية في العمق، مما تسبب في ضعفها فتحولت إلى ما
يعرف بالرجل المريض.
3 – دور ظرفية الحرب العالمية الأولى في سقوط الدولة العثمانية:
ساهمت ظرفية الحرب العالمية الأولى في انهيار الإمبراطورية العثمانية، من خلال:
- رغبة الشعوب غير التركية في الانفصال التام عن تركيا: بسبب سياسة تتريك الشعوب التي نهجها “حزب تركيا الفتاة”، وقد تزامن ذلك مع بوادر اندلاع حرب عالمية أولى.
- الوعود البريطانية للعرب بالاستقلال: عند اندلاع الحرب العالمية الأولى قدمت إنجلترا في شخص مندوبها السامي في مصر “السير هنري مكماهون” (Sir Henry McMahon) وعودا لشريف مكة حسين بن علي بتأسيس دولة عربية يعين على رأسها مقابل أن يستغل نفوذه الديني لتشجيع العرب على الثورة ضد الأتراك، وهكذا اندلعت الثورة العربية سنة 1916م من الحجاز وانتهت بتصفية الإدارة التركية من البلاد العربية في المشرق لكن انجلترا لم تف بوعودها إزاء العرب، وبدأت في تنفيذ مراميها الاستعمارية وتوقيع اتفاقيات استعمارية مع دول الحلفاء تهدف إلى تقسيم المشرق العربي فيما بينهم، منها: اتفاق “سايكس بيكو” و”وعد بلفور”، وفي سنة 1920م فرضت “معاهدة سيفر” على الدولة العثمانية وأعلنت بنودها عن نهاية الدولة العثمانية.
II – التطور العام في المشرق العربي عقب سقوط الإمبراطورية العثمانية:
1 – مفهوم الانتداب وخريطته السياسية بالمشرق العربي:
الانتداب: هو إشراف إحدى الدول القوية على إدارة بعض المناطق التي أصبحت
تخضع لوصاية عصبة الأمم، وذلك بهدف جعلها قادرة على حكم نفسها بنفسها وهو
ما حدث تماما بالمناطق الخاضعة للإمبراطورية العثمانية، حيث عقدت الدول
الأوربية سنة 1920م مؤتمر “سان ريمو” لوضع الترتيبات النهائية لتقاسم
احتلال الشرق العربي في إطار نظام الانتداب، فأصبحت العراق والأردن وفلسطين
تحت نفوذ بريطانيا، وسوريا مع لبنان تحت نفوذ فرنسا، كما أسس مصطفى كمال
جمهورية تركيا الحديثة بعد إنهاء الخلافة العثمانية سنة 1924م.
2 – توطيد النفوذ الاستعماري بالمشرق العربي في ظل نظام الانتداب:
عملت انجلترا على خلق كيانات سياسية تابعة لها بالمناطق التي سيطرت
عليها بالمشرق العربي، ونهجت فرنسا أسلوب الحكم المباشر، وعينت كل دولة
منهما وزراء محليين من الأعيان مع الإبقاء على السلطة الفعلية بأيدي
المندوب السامي، وفي نفس الوقت عملت الدولتان على قمع المقاوميين الوطنيين،
كما أقامت سلطات الانتداب البريطاني والفرنسي نظاما اقتصاديا استغلت فيه
ثروات المنطقة وربطتها بالنظام الرأسمالي، فكانت السياسة المالية والفلاحية
تخدم مصالح المعمرين وأجبرت الفلاحين على الهجرة، أما السياسة الصناعية
فقد أثرت على الصناعة التقليدية، وتميزت أوضاع العمال بالتدهور وظل الميزان
التجاري للدول المنتدبة في حالة عجز دائم.
خاتمة:
ظل تزايد الاستغلال الاقتصادي وتأزم الأوضاع الاجتماعية، كان رد فعل
العرب هو القيام بتوارث وتأسيس الحركات الوطنية الناهضة للاستعمار.
شرح العبارات:
سايكس بيكو: سايكس هو وزير خارجية بريطانيا، وبيكو هو وزير خارجية فرنسا.
الانتداب: شكل استعماري اعتمد على ازدواجية الإدارة بين إدارة أجنبية
ذات سلطة فعلية وإدارة وطنية ذات سلطة شكلية واتخذ كمبرر تولي الدولة
الكبيرة تسيير شؤون الدولة الصغيرة.
حكم مباشر: شكل استعماري قام على انفراد الإدارة الأجنبية بالسلطة بعد إقصائها للإدارة الوطنية.