درس المجال العالمي والتحديات الكبرى (التحدي السكاني، والتحدي البيئي) – مادة الجغرافيا – الثانية باكالوريا آداب
المجال العالمي والتحديات الكبرى (التحدي السكاني، والتحدي البيئي)
تمهيد إشكالي:
يواجه العالم تحديات كبرى لعل من أهمها التحديين البيئي والسكاني، مما
يعجل بحدوث تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية كبرى في المجال العالمي،
ويخلق تنظيما دقيقا للعالم يتحكم فيه سلامة الوسط البيئي وتحقيق التنمية
المستديمة، في الوقت الذي يرتفع فيه عدد السكان، مما يرفع من الضغط على
الوسط البيئي ويجعل من التنمية المستدامة بعيدة التحقيق.
- فما هي خصائص الوضع السكاني في المجال العالمي وتحدياته؟
- وما هي مميزات حالة البيئة العالمية والتحديات التي تطرحها بالنسبة البشرية؟
- وما هي العلاقة الموجودة بين التحديين السكاني والبيئي؟
I – وصف الوضع السكاني العالمي والتحدي الذي يمثله:
1 – تشخيص الوضع السكاني العالمي وتحديد أهم خصائص تطوره وتوزيعه:
مر التاريخ الديموغرافي للعالم من حيث النمو بمرحلتين رئيسيتين، هما:
- المرحلة الأولى: تغطي جل التاريخ البشري إلى أواسط ق 18م، وتتميز بالنمو البطيء للسكان وتطورهم الغير منتظم، بحيث تعاقبت فترات نمو وانكماش ويعزى ذلك إلى الكوارث والمجاعات …
- المرحلة الثانية: تمتد زمنيا من أواسط ق 18م إلى يومنا هذا، والتي تميزت بارتفاع عدد السكان بشكل مطرد إلى حد الحديث عن ثورة ديموغرافية (انتقل عدد السكان من مليار نسمة سنة 1750م إلى 7 مليار حاليا، ومن المتوقع أن تبلغ ساكنة العالم 10 ملايير نسمة سنة 2100م) أغلبهم بالدول النامية، ومن العوامل المفسرة للوضع السكاني الحالي (تطور الطب وأساليب الوقاية، تراجع الوفيات، تحسن مستوى التغذية …)، ويتسم توزيع السكان في المجال العالمي بالتفاوت، حيث يتركز معظمهم بالقارة الأسيوية (الصين، والهند)، بينما يتوزع الباقي بنسب متفاوتة في كل من أفريقيا وأمريكا وأوربا، وحسب إسقاطات 2025م ستستمر آسيا في احتلال الصدارة من حيث تركز السكان مع ملاحظة تزايد هائل لسكان القارتين الإفريقية والأمريكية، وبذلك سيواجه العالم تحدي سكاني خطير خاصة بدول الجنوب التي ستعرف نموا ديموغرافيا هائلا.
2 – بعض التحديات التي يطرحها الوضع السكاني العالمي:
يطرح التزايد السكاني اليوم مجموعة من التحديات يمكن إجمالها فيما يلي:
أ – على المستوى الاقتصادي: والمتجسد أساسا في:
- اختلال التوازن بين وتريثي النمو السكاني السريع والنمو الاقتصادي.
- الخصاص الغذائي خصوصا في بلدان العالم النامي التي تشهد نموا ديموغرافيا سريعا.
- غياب العدالة في توزيع الثروة في العالم.
ب – على المستوى الاجتماعي: ارتبط بالتزايد السكاني السريع:
- اختلال الأوضاع الاجتماعية لسكان العالم بسبب سوء توزيع الثروات واتساع الفوارق الاجتماعية.
- انتشار المجاعة حيث مست 854 مليونشخص، وسيزداد الوضع خطورة في أفق 2050م خاصة بالقارة الإفريقية.
- انتشار سوء التغذية (حوالي 2 مليار شخص يعانون من سوء التغذية.
- تزايد حدة الفقر (حوالي 1.3 مليار شخص).
- ارتفاع عدد العاطلين (حوالي 195 مليون عاطل معظمهم بالدول النامية، وأكبر نسبة تسجل في إفريقيا).
- انتشار الأمية (حوالي 862 مليون شخص، وتسجل أكبر نسبة بالدول النامية 36.4%، وأقل نسبة بالدول المتقدمة 1.2%، بينما وصلت بالدول العربية إلى 30.1%، في حين أن المعدل العالمي لا يتعدى 20.3%).
II – وضعية البيئة في المجال العالمي والتحديات التي تطرحها:
1 – الوضع البيئي على المستوى العالمي وأهم التحديات التي يطرحها:
عرفت البيئة العالمية مع مطلع ق 20م تدهورا خطيرا بفعل الضغط السكاني عليها حتى أصبحت مهددة بالاستنزاف، وتتضح مظاهر هذا الخطر في:
- النقص في الموارد المائية مما يطرح مشكلة الأمن الغذائي.
- استنزاف الموارد الطبيعية مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار والصراع حول مناطق الإنتاج.
- تدهور التربة وتفاقم التصحر مما يؤدي إلى فقدانها لقدرتها الإنتاجية وبالتالي إلى التصحر.
- التغيرات المناخية وما ينتج عنها من جفاف وكوارث طبيعية.
- تلوث الماء والتربة والهواء بفعل أنشطة الإنسان خاصة ثاني أكسيد الكربون الذي يساهم بشكل كبير في ظاهرة الاحتباس الحراري خصوصا من طرف الدول الصناعية.
- تراجع التنوع الحيوي وانقراض الأحياء.
- تدهور الغابات والنباتات الطبيعية بسبب الاجتثاث (13 مليون هكتار سنويا)، وتتصدر أمريكا الجنوبية قائمة المناطق الأكثر تضررا.
2 – التغيرات المناخية كتحد بيئي خطير يواجه العالم:
أ – أشكال التغيرات المناخية:
بفعل ظاهرة الاحتباس الحراري ارتفعت درجة حرارة الأرض الناتج عن تسرب
الغازات السامة، بحيث يحيط بالأرض غلاف جوي يحتوي على مجموعة من الغازات
معينة وثابتة تؤدي إلى المحافظة على درجة حرارة معينة للأرض عن طريق
التوازن بين طاقة الشمس الواصلة لسطح الأرض وتلك التي تفقدها في الفضاء،
وتعرف بالغازات الدفيئة، إلا أن وجود النشاط البشري يتسبب في زيادة مستوى
الغازات وبالتالي حدوت الاحتباس الحراري، والذي يعني ارتفاع درجة حرارة
الغلاف الجوي نتيجة منع الغازات الدفيئة المنعكسة على الأرض من المرور،
وحسب التوقعات فإن هذه الظاهرة سوف تتفاقم مستقبلا مما سيؤدي إلى تغيرات
واضحة في درجة الحرارة وكمية التساقطات (زيادة درجة حرارة سطح الأرض خاصة
بالمناطق القطبية الشمالية ما بين 6° و8°، لكن هناك مناطق أخرى ستشهد
انخفاضا في درجة الحرارة مثل المحيط الأطلسي الشمالي والدائرة القطبية
الجنوبية)، وعلى مستوى التساقطات ستعرف مناطق كثيرة تراجعا في كمية
التساقطات وتعاقب سنوات الجفاف خاصة شرق إفريقيا وجنوب شرق آسيا، بينما
ستشهد مناطق أخرى زيادة في كمية التساقطات مثل وسط إفريقيا وغرب الولايات
المتحدة الأمريكية والمحيط الهادي مما سيؤدي إلى فيضانات وأعاصير.
ب – الجهود المبذولة للحفاظ على البيئة:
بدأ التفكير في مواجهة التغيرات المناخية مند مؤتمر “ستوكهولم”
(Stockholm) سنة 1972م الذي أقر إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة (PNUE)،
تلا ذلك قمة الأرض ب “ريو دي جانيرو” (Rio de Janeiro) عام 1992م حيت وقعت
حكومات العالم الاتفاقية الإطار حول التغيرات المناخية، الشيء الذي تحقق
في برتوكول “كيوطو” (kyōto) باليابان عام 1997م الذي يلزم الدول الصناعية
بتقليص مساهمتها من انبعاث الغازات الدفيئة بنسبة 5.5% عما كان عليه سنة
1990م، غير أن هذا البرتوكول لم يحظى بتوقيع أكبر دولة ملوثة للجو في
العالم الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب دول أخرى مثل تركيا وليبيا
واستراليا وجمهوريات آسيا الوسطى، كما عقد المنتظم الدولي مجموعة من
المؤتمرات في هذا الإطار، أهمها مؤتمر “جوهانسبرغ” (Johannesburg) بجنوب
إفريقيا سنة 2002م الذي أقر خطة شاملة لتنفيذ التنمية الشاملة، كما تقوم
منظمة السلام الأخضر (GREEN PEACE) بالعمل على حماية البيئة والغابات،
وتسعى إلى إيقاف اضطرابات المناخ بالدعوة إلى تشجيع الطاقات المتجددة، كما
تهدف إلى نزع السلاح النووي ومنع استعمال المواد الكيماوية السامة.
III – العلاقة بين التحدي السكاني والتحدي البيئي ودور التنمية المستدامة في إعادة التوازن بينهما:
1 – العلاقة بين الوضعية السكانية والوضعية البيئية:
رغم الاختلاف في وثيرة النمو السكاني بين الدول المتقدمة والدول النامية
فإن ارتفاع مستويات الاستهلاك في الدول المتقدمة وتحسن مستوى المعيشة في
والدول النامية أدى إلى ارتفاع الضغط على الموارد الطبيعية، حيث يفوق الطلب
على هذه الموارد قدرة البيئة على التجديد، مما يجعل من ممارسة التنمية
المستدامة أكبر تحد يواجه العالم، (تحسين مستوى عيش السكان في الحاضر دون
هدر حقوق الأجيال القادمة)، وهو ما يدعو إلى تحقيق مجموعة من الأهداف:
- أهداف اقتصادية: تحقيق النمو الاقتصادي والفعالية الاقتصادية، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
- أهداف اجتماعية: تحقيق العدالة والمشاركة الاجتماعية، التماسك الاجتماعي، الحفاظ على الهوية …
- أهداف بيئية: حماية البيئة، تدبير الموارد المتجددة والحفاظ على الموارد غير المتجددة.
2 – دور التنمية المستدامة في إعادة التوازن للوضعية البيئية:
تمثل التنمية المستديمة الحل الأساسي لخلق التوازن بين النمو السكاني والموارد الطبيعية، وذلك من خلال الانجازات المترابطة الآتية:
- الانجازات الاقتصادية: تتجلى في تحقيق النمو الاقتصادي، وزيادة الفعالية الاقتصادية، والمحافظة على الاستقرار الاقتصادي، وبلورة الثورة الخضراء …
- الانجازات الاجتماعية: وتتمثل في تحقيق العدالة الاجتماعية، والتماسك الاجتماعي، والمشاركة الاجتماعية، والحفاظ على الهوية، وتطبيق سياسة تحديد النسل …
- الانجازات البيئية: تتجلى في حماية البيئة، وتدبير الموارد الطبيعية المتجددة، والحفاظ على الموارد غير المتجددة، ومواجهة التلوث، وانقاد ما تبقى من التنوع الحيوي، وانقاد الغابات، واعتماد سياسة عقلانية في مجال الصيد البحري والمحيطي.
خاتمة:
رغم المجودات المبذولة للتوفيق بين الوضع السكاني والبيئي، فإن الأول
مازال يشكل ضغطا كبيرا على الموارد الطبيعية خاصة في الوقت الذي مازالت فيه
الدول الصناعية الكبرى متشبثة برفضها للقرارات الدولية، لذا فإن مستقبل
البيئة مهدد بالخطر في المستقبل ويتحمل الإنسان المسؤولية الأولى في ذلك.