تصفية الاستعمار وبروز العالم الثالث
تمهيد إشكالي:
تطور الوعي بضرورة التحرر في المستعمرات الإفريقية والأسيوية، في فترة
ما بين الحربين، واستغلت بعض المستعمرات ظروف الحرب العالمية الثانية وظهور
منظمة الأمم المتحدة وحركة دول عدم الانحياز للمطالبة بالاستقلال، وشكلت
المستعمرات المستقلة نتيجة تخلفها الاقتصادي والحروب الأهلية ما سمي
بالعالم الثالث.
- فما هي أسباب ومراحل تصفية الاستعمار؟
- وما هي مشاكل العالم الثالث وجهود التغلب عليها؟
- وماذا عن حركة عدم الانحياز وباقي التكتلات الإقليمية؟
I – ظروف وعوامل حركات تصفية الاستعمار في العالم:
– دور الاستغلال الاستعماري في تصاعد الحركات التحررية:
اهتمت الشركات الاستعمارية باستغلال المعادن الثمينة بالمستعمرات
كالذهب، النحاس، الماس … الخ، ناهيك عن الهيمنة الكبيرة على المنتجات
الفلاحية كالبن، الفول السوداني، الموز … الخ، كما فرضت الأنظمة
الاستعمارية ضرائب ثقيلة على السكان، وسخرتهم لخدمة المصالح الاستعمارية،
وفرضت عليهم الأعمال الإجبارية في بناء الموانئ، الطرق، السكك الحديدية …
الخ، بدون مقابل أو بأجور زهيدة وفي ظروف صعبة، ومع اندلاع الحرب العالمية
الثانية كثفت الدول الاستعمارية من استغلالها لخيرات المستعمرات، وأدت كل
هذه التحولات إلى انعكاسات سلبية على أوضاع السكان الاجتماعية والاقتصادية،
حيث تزايدت حالة البؤس الاجتماعي، تفقير السكان، ارتفاع البطالة، الهجرة
القروية … وغيرها، وهذا ما جعل السكان ينتفضون ضد الاحتلال.
2 – دور المؤسسات والاتفاقيات الدولية في تصاعد الحركات التحررية:
ساهمت المبادئ الأربعة عشر التي حملها الرئيس الأمريكي “ولسون” إلى
مؤتمر السلام سنة 1919م في تصاعد الحركات التحررية بالعالم الثالث، لكونه
دعا من خلالها إلى ضمان حق الشعوب في تقرير المصير، ولقد لقيت مدونة الرئيس
الأمريكي ترحيبا كبيرا في معظم دول العالم الثالث، ففي الجزائر مثلا فقد
وجه الوطنيين الجزائريين رسالة إلى الرئيس الأمريكي عبروا فيها عن الوضعية
الاقتصادية والاجتماعية المزرية للسكان في ظل الهيمنة الفرنسية، كما طالبوا
بوضع حد للاضطهاد الذي تتعرض له الشعوب، ومن أهم الاتفاقيات الدولية التي
ساهمت في تصاعد الحركات التحررية أيضا، هناك الميثاق الأطلسي الذي وقعته
فرنسا وبريطانيا سنة 1941م، والذي يقضي باعتراف الجانبان بحق الشعوب في
تقرير المصير، كما ساهمت في تصاعد المد التحرري المبادئ التي نادت بها
الأمم المتحدة من أجل المحافظة على السلم والأمن الدوليين، وتعزيز التعاون
الدولي في مختلف المجالات، علاوة على احترام حقوق الإنسان وحق الشعوب في
تقرير المصير.
3 – دور الصراع الرأسمالي الاشتراكي في إذكاء الحركات التحررية بالعالم:
في إطار الصراع الإيديولوجي ما بين المعسكرين الغربي والشرقي عمل هذا
الأخير على دعم الحركات التحررية ذات الميول الاشتراكية (من بينها الفيتنام
التي كانت تقبع تحت الاحتلال الفرنسي …)، بينما عملت الولايات المتحدة
الأمريكية على دعم كل الأنظمة الرأسمالية، يضاف إلى كل تلك العوامل نمو
الوعي لدى المستعمرات.
II – خصائص النضال لبعض نماذج الحركات التحررية بالعالم:
1 – الحركة التحررية بالهند: نموذج للمقاومة السلمية:
طالب غاندي باستقلال الهند من الاحتلال الإنجليزي باعتماد طريقة “اللا عنف”، ومن أهم خصائص هذه الطريقة:
- عدم استعمال العنف ضد الانجليز باعتباره أكبر قوة توجد في متناول الإنسان.
- مقاطعة البضائع الأجنبية، ورفض أداء الضرائب.
- الاعتماد على الإمكانات المحلية في التغذية والملبس.
- التوصل إلى وضع حد للصراعات بين المسلمين والهندوس.
هكذا لقيت دعوة غاندي تجاوبا كبيرا لدى الشعب الهندي وأجبرت إنجلترا على الاعتراف باستقلال الهند سنة 1947م.
2 – الحركة التحررية بالجزائر: نموذج للمقاومة المسلحة:
في فاتح نونبر 1954م انطلق العمل المسلح في الجزائر بتنفيذ عدة عمليات
مسلحة في منطقة القبائل وقسطنطينة ثم أخذ يتوسع تدريجيا حتى شمل مجموع
التراب الجزائري سنة 1955م، بل انتقل إلى فرنسا ذاتها سنة 1958م، وبالرغم
من الإجراءات التي اتخذتها سلطات الاحتلال من أجل الحفاظ على وجودها
بالجزائر فالكفاح المسلح لم يزدد إلا شدة، وتمكنت “جبهة التحرير” من تحقيق
انتصارات كبيرة تمثلت في إلحاق أضرار جسيمة بعملاء المستعمر ومنشآته
الاقتصادية والإدارية، وهكذا دخل الشعب الجزائري في حرب تحررية ضد فرنسا
انتهت باعتراف هذه الأخيرة باستقلال البلاد سنة 1962م بعد أن كلفت
الجزائريين مليونا من الشهداء.
III – العالم الثالث مشاكله غداة الاستقلال وبعض تكتلاته:
1 – بعض مشاكل العالم الثالث غداة الاستقلال:
- ارتفاع المديونية: وبالتالي تراجع الواردات مما ينعكس سلبا على وضعية السكان الاجتماعية والاقتصادية.
- الاعتماد في التصدير على المواد الأولية، وهي مواد ذات قيمة إضافية جد منخفضة.
- عدم التوازن بين حجم الإنتاج الغذائي وعدد السكان، علاوة على مشكل التبعية الاقتصادية للخارج.
- معاناة بعض بلدان العالم الثالث من صراعات عرقية وسياسية.
- ارتفاع معدل الخصوبة مما يفسر التزايد السكاني السريع، والذي يترتب عنه مشاكل حضرية خطيرة (الجريمة، الهجرة السرية، ارتفاع معدلات البطالة، السكن العشوائي، الباعة المتجولون …الخ).
- ارتفاع معدلات الأمية، وتزايد معدلات الهجرة القروية.
2 – ظهور دول العالم الثالث وحركة عدم الإنحياز:
دول العالم الثالث: هي تلك الدول الحديثة العهد بالاستقلال، والتي أخذت
تعمل من أجل التخلص من الوقوع تحت سيطرة إحدى المعسكرين، وأن تصبح غير
منحازة لأي من الكتلتين، ومن هنا نشأت بذور عدم الانحياز والتي تبلورت في
البداية في مؤتمر البلدان “الافرو آسيوية” في باندونغ بأندونيسا سنة 1955م،
ومن بين أهم أهدافها:
- احترام حقوق الإنسان.
- احترام سيادة الدول.
- العمل على حل النزاعات السياسية بطرق دبلوماسية.
- تحقيق التنمية في العالم الثالث وإخراجه من التخلف.
- مناهضة الاستعمار وتأكيد حق الشعوب في تقرير مصيرها …
وتعزز ظهور هذه الحركة بفضل جهود بعض الزعماء من أشهرهم: الرئيس الهندي
نيهرو، والرئيس المصري جمال عبد الناصر، والرئيس اليوغوسلافي جوزيف تيتو،
وبموجب مؤتمر بلغراد لسنة 1961م، تأسست رسميا حركة عدم الانحياز التي قامت
على خمس مبادئ هي:
- اتخاذ موقف محايد من الصراع الدائر بين الكتلتين.
- عدم الانضمام إلى أي حلف عسكري تابع لهما.
- عدم عقد اتفاقية ثنائية مع دولة كبرى.
- عدم السماح لدولة أجنبية بإقامة قواعد عسكرية فوق أراضيها.
- تأييد حركات الاستقلال الوطني.
3 – التكتلات الإقليمية لدول العالم الثالث بعد الحرب العالمية الثانية:
إذا كانت دول العالم الثالث قد انخرطت كلها في حركة عدم الانحياز، فإنها في نفس الوقت انقسمت إلى منظمات إقليمية، من أهمها:
أ – الجامعة العربية:
الجامعة العربية: منظمة عربية تأسست في 22 مارس 1945م، تضم حاليا 22
دولة عربية في الشرق الأوسط وإفريقيا، وتشير إحصاءات 2007م إلى وجود حوالي
339 510 535 نسمة تسعى إلى تحقيق الأهداف التالية:
- تحقيق التعاون العربي في المسائل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (شؤون الثقافة، شؤون الجنسية والجوازات، شؤون المواصلات …).
- توثيق الصلات بين الدول الأعضاء وتنسيق خططها السياسية.
- المحافظة على السلام والأمن بين الدول الأعضاء.
- تأمين مستقبل الدول الأعضاء وتنسيق الدفاع عن الدول العربية.
ب – رابطة دول جنوب شرق آسيا ( آسيان):
تأسست سنة 1967م من طرف 6 دول تهدف إلى:
- مواجهة التحدي الشيوعي في المنطقة.
- تسوية النزاعات الحدودية التي تعاني منها بعض الدول، والتخفيف من حدة النزاعات التي مازالت قائمة.
- إقامة منطقة حرة بين دول الرابطة وهو ما تأتى لها بموجب إعلان سنغافورة سنة 1992م.
ج – ـ منظمة الوحدة الإفريقية:
تأسست على اثر قمة أدبس أبابا يوم 25 ماي 1963م، ومن أهم مبادئها:
- محاربة جميع أشكال الاستعمار بإفريقيا.
- تنمية التعاون بين الدول وفقا لمبادئ هيئة الأمم المتحدة.
- احترام سيادة وحدود كل الدول.
- تسوية الخلافات بين الدول الأعضاء بالطرق السليمة.
- عدم الانحياز إلى أحد المعسكرين.
وبذلك يلاحظ انسجام أهداف هذه التكتلات مع قرارات حركة عدم الانحياز.
خاتمة:
هكذا فقد خاضت بلدان العالم الثالث كفاحات طويلة بطرق ووسائل مختلفة من
أجل التحرر والاستقلال، لكنها مازالت تعاني من مخلفات الاستعمار، وتتخبط في
دوّامة من النزاعات السياسية، ومشاكل التخلف والتبعية الاقتصادية
والثقافية.